اختلال التوازن العقدي في قانون الاستهلاك المغربي
إن احتياج المستهلك إلـى حمايـة خاصـة، أمـر بـديهـي فـي ظـل التطورات المتلاحقة، التي يعرفها العالم المعاصر في المجال الاقتصادي و الاجتماعي.
و ما واكبهـا مـن انفتـاح اقتصـادي و انتقال الأمـوال و الخدمات و الموارد البشرية عبر الحدود.
و يعتري المستهلك إحساسا بأنه محاصر في زاوية تفرض عليه الإذعان إلى ” اللعبة ” الاقتصادية، التي تمارسها الشركات الاحتكارية في الأسواق الوطنية و الدولية.
في غياب منافسة حقيقية بين تلك الشركات، و كأنها قسمت العالم إلى مناطق نفوذ، ما ينبغي لإحداها أن تبغي على نفوذ الأخرى.
وبغية من المغرب في مواكبة التشريعات المقارنة التي أصدرت نصوصاً خاصة بحماية المستهلك.
كفرنسا و سوریا و تونس و غيرها من الدول، تم اعداد مشروع قانون خاص بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
الذي أتي في نسخته الأولى سنة 1996 غير أن هناك جملـة مـن المعوقات، حالت دون إخراجه إلى الوجود، إلى أن جاء الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2008.
الذي دعا كل من السلطة التشر التنفيذية إلى الإسراع باعتماد مدونة حماية المستهلك.
من مقتضيات و مما لا مراء فيه أن الترسانة القانونية المغربية، لم تكن قانونية و تنظيمية تعنى بحقوق المستهلك.
ذلك أن القائمة الأولية لهذه ا عن 300 نص تعالج جميع مناحي الحياة اليومية للمواطن سواء من الجانب السـي الصحي أو الغذائي أو التجوال.
غير أن عيب هذه النصوص أن تنفيذها موكول لعدة مصالح إدارية منها ما هو تابع للدولة ( الداخلية، الصحة، الفلاحة … )، تابع للوحدات الترابية.
الشيء الذي أدى إلى التواكل و رمي بالمسؤولية إلى معترك الآخر.
ولعل من أهم النصوص التي عنيت بحماية المستهلك نذكر على الخصوص القانون رقم 06 .99 يتعلق بحرية الأسعار و المنافسة،و الذي نسخ القانون رقم 008. 71.
و كذا القانون رقم 83. 13 الصادر بتنفيذه ظهير 5 أكتوبر 1984 المتعلق بزجر الغش في البضائع، ناهيك عن القانون 08. 31 السالف الذكر.
وعليه سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين :
نخصص المطلب الأول لأثر عدم بين المتعاقدين على رضى المستهلك.
والمطلب الثاني لحماية رضى المستهلك في التشريع.
المطلب الأول : أثر عدم التكافؤ بين المتعاقدين على رضى المستهلك.
لم يعر عمبدأ سلطان الإرادة المعول عليه في مدونة نابليون و القوانين، التي تدور في فلكها أهمية خاصة لحماية المتعاقد.
إلا إذا عيبت إرادته، و بالتالي يكون على هذا الاخير – ولاسيما إذا تعلق الأمر بعقود الإذعان – أن يتحرى بنفسه عن الظروف الملائمة للالتزام.
لدرجة أن هذا المبدأ أصبح من المسلمات، و حتى الذين انتقدوه بشدة أخذوه كمنطلق في أبحاثهم.
إن مـا أتـى بـه المـذهب الفـردي مـن قواعـد و خاصـة قاعـدة العقـد شـريعة المتعاقدين قد أدت إلى سيطرة أحد أطراف العقد على الآخر.
خاصة في المعاملات الاقتصادية المبنية على العرض و الطلب، طرف الغير يمس بمبدا التراضي.
ذلك أن الإرادة هي العلاقات التعاقدية يجب ألا تأتي من خارج العقد، و انما من داخله لأن أي تدخل من أساس الالتزام التعاقدي.
و لا غرو أن التعديلات الجوهرية التي مست الأسس الاقتصادية و القانونية لبعض البلدان الأوروبية و الولايات المتحدة الأمريكية.
منذ الحرب العالمية الثانية أدت إلى قلب المفاهيم التقليدية لمؤسسة العقد.
خاصة بعد ظهور ما يصطلح على تسميته بالمجتمع الاستهلاكي la société de la consommation.
هذا المجتمع الذي يمتاز من الناحية الاقتصادية بتهافته على المنتوجات بالطريقة التي سطرتها له الشركات الاحتكارية.
مستعينة في ذلك بخبراء و فنيين و مختصين في عالم التواصل؛ و من الناحية القانونية بإبرام عقود غير متكافئة من قبيل القروض الاستهلاكية.
ووسائل الترفيه و التأمينات بمختلف أنواعها وفي هذا الإطار نرى من الفائدة الوقوف على تجربتين متعلقتين بحماية رضى المستهلك.
الأولى تتعلق بتجربة أمريكية تتمثل في التجربة الكيبيكية.
والثانية تجربة أروبية تتمثل في التجرية الفرنسية.
أولا التجربة الكيبيكية : أصدر المشرع الكيبيكي قانونا بتاريخ 14 يوليوز 1971 ذا طابع آمر.
لحماية المستهلك من الغبن بعدما ثبت أن القانون المدني الصـادر سنة 1866 غير قادر بمفرده على ضمان هذه الحماية.
هذا التحول الجدري على التعديلات التي أدخلتها الدول المجاورة على قوانينها، و كذلك انعدام التوازن العقدي في عقود الإذعان، عامة و عقود الاستهلاك على الخصوص.